نشّط نائب مدير مركز الاستشراف الشّامل، الدكتــور قاسم حجاج محاضرة علمية قيّمة موسومة بـ: “الاستشراف الاستــراتيجي للتّنمية المحــلية المستدامة: المفاهيـــم والأدوات”، في إطار الورشة العلـمـية التّكــوينية المنظّمة من طرف المجـــلس الشّعبي الــولائي لولاية توقرت الجديدة، بالشّـراكة مع وحدة البحث حول “الحوكمة المحلية وتحسين الخدمات العامة في الجزائر”، بجامعة قاصدي مرباح ورقلة؛ التي تناولت موضوع: “المنتخب المحلي ورهان تحقيق التنمية المحلية المستدامة”، وذلك يوم السبت 1 جوان 2024.
في المدخل، عرف “فنّ الاستشراف” أو علم “دراسة المستقبل” باعتباره تخصّصا عابرا للتخصّصات، بل تخصصا مركبا متمرّد عليها أحيانا، موضوعه دراسة أسباب التغيّرات الحاصلة في الماضية والحاضرة المشكّلة لأوضاع مستقبلية ممكنة، باستخدام منهجيات وتقنيات التنبّؤ المشروط، مستشهدًا في السّياق بمقولة الفيلسوف الفرنسي لاروش فوكو: “نحن ورثة الموتى، وشركاء الأحياء، والمتنبّئون بالذين سيولدون”.
وأكّد نائب مدير مركز الاستشراف الشّامل على أنّ المستقبل مستقبلات: محتمل، ممكن، معقول، ومرغوب ؛ وعلى ضرورة اتّسامه بسمات: الشّمول والاتّساع والعمق والنّظر البعيد والتّشاركية، والإنسانية، التمرّد على الأفكار المسبقة الإيجابية والسّلبية، النّقد، المخاطرة المحسوبة، الخيال العلمي، الواقعية، الأدوات المنهجية، التّراكمية، الاستباقية، وأخيرا، بناء المشاريع.
وأبرز الدكتــور قاسم حجاج أنّ الدّراسات المستقبلية تركّز على رصد الأحداث والإشارات الضّعيفة واستكشاف البازغة وتحديد الاتّجاهات الثّقيلة وتوقّع القطائع الممكنة وطرح الأسئلة المستقبلية الكبرى حول اللّايقينيات. كما نبّه الدكتور قاسم حجاج إلى ثلاثة عوامل تدفع لتزايد الطّلب على الاستشراف كمنتج تسييري لكلّ المقرّرين في الشّركات والمنظّمات والدّول والبلديات وغيرها وهي: ظواهر التّسارع والعابرية، التركيب أو التعقيد، التعدّدية والتنوع.
وتوقف المحاضر عند أهداف الجهد الاستشرافي ضمن ورشات، وحدد مجموعة من الشّروط العامّة لإنجاز دراسة استشرافية كقواعد البيانات والمعلومات الصّحيحة المحيّنة، التّمويل، تحديد ثوابت النّظام المستشرف في القيم والبنية واستخدم تقنيات الاستشراف المتعدّدة، من بينها مصفوفة التّأثير المتبادل ومعروفة لعبة الفاعلين والتدرج السببي ودولاب المستقبلات وتحليل المضمون ودلفي والسّيناريوهات وغيرها.
كما توقّف عند أهم العوائق الفكرية والمجتمعية التي تقف أمام نمو الأنشطة الاستشرافية في الدّول المتخلّفة في استخدامها مثل سيادة التّفكير الرّغبوي، سطوة التّاريخ، النّظرة القدرية الجبرية والدّهرية وشدّة المركز حول الذّات المجتمعية أو القومية حدّ الفاشية، سطوة التوجّهات الشّعبوي، …الخ
وفيما يهمنا من هذه المداخلة أبرز قاسم حجاج أهم إحدى عشر متطلّبا لإطلاق واستدامة ديناميكيات الاستشراف الاستراتيجي للتّنمية المحليّة المستدامة في الجزائر وهي: اتّخاذ القرار السّياسي والإداري أو القيادي الجاد، تحديد الأفق الزّمني للاستشراف، تحديد آجال استلام الدّراسة الاستشرافية مع تحديد المواعيد الدّورية لتحيينها قبل الوصول إلى العام المستشرف بعامين على الأقل، تشكيل فريق الاستشراف (تكوين داخل المؤسّسة المعنية، أو مناولة لدى مركز علمي بحثي تدريبي متخصّص في تقنيات الاستشراف) ؛ إلى جانب إشراك الفاعلين المعنيين بالإقليم أو الشّركة أو المنظّمة أو الدّولة المستشرفة (حوكمة الجهد الاستشرافي)، وضع خطّة مرحلية لعمل الفريق المستشرف، اختيار تحكيمي بين الخبراء المستشرفين لتقنيات الاستشراف الملائمة مع استخدامها بشكل متعاضد، توفير البيانات والمعلومات الصحيحة والمحيّنة، تخصيص ميزانية مالية معقولة، تحديد فريق لورشات التّخطيط الاستراتيجي لتصميم الخطّة التّنموية للمستقبل المرغوب والخطط البديلة للمستقبلات المحتملة والممكنة السّلبية.
وبالنّسبة لاستشراف تنمية الأقاليم والجماعات المحلية، وجب أيضا استحضار المستشرفين لجميع الأدوات الموجّهة للتّنمية الوطنية والجهوية والمحلية وهي: الخطّة الحكومية، السّياسات العامّة والمخطّطات القطاعية، المخطّطات الوطنية والجهوية والولائية لتهيئة الإقليم والمخطّطين الولائي والبلدي للتّنمية والمخطّط التّوجيهي للتّعمير والعمران (PDAU) والخطّة أو الخطط الحزبية أو الائتلافات الحزبية للتّنمية الولائية والبلدية.
وفي ختام عرضه، أكّد قدّمها نائب مدير مركز الاستشراف الشّامل، الدكتــور قاسم حجاج على أنّ أهم رأسمال لدى المسيّر والسّياسي معًا هو الزّمن، فهو الذي ينصبّ عليه التّركيز في كسب رهانات أيّ تنمية محليّة أو وطنية أو دولية مستدامة.
وخلص الدكتــور قاسم حجاج إلى أنّ تنمية الأقاليم والمجتمعات البلدية والولائية (المحلية) يتطلّب تكاملًا بين المقاربة الاستشرافية والمقاربة الاستدامية للتّنمية؛ فالأولى تقوم على المنهجية وأدوات العمل وتقنيات تفكير خاصّة، بينما الثّانية تقوم على فلسفة ورؤية جديدة للعالم، للأشياء، للمجتمع، للاقتصاد، للبيئة، للسّياسة وتحديدًا للهدف وتصوّرًا بديلًا للعالم.