الاستشراف الاستــراتيجي للتّنمية المحــلية المستدامة
نشّط نائب مدير مركز الاستشراف الشّامل، الدكتــور قاسم حجاج محاضرة علمية قيّمة موسومة بـ: “الاستشراف الاستــراتيجي للتّنمية المحــلية المستدامة: المفاهيـــم والأدوات”، في إطار الورشة العلـمـية التّكــوينية المنظّمة من طرف المجـــلسالشّعبيالــولائي لولاية توقرت، بالشّـراكة مع وحدة البحث حول الحوكمة المحلية وتحسين الخدمات العامة في الجزائر، جامعة قاصديمرباح ورقلة؛ بعنوان: “المنتخب المحلي ورهان تحقيق التنمية المحلية المستدامة”.
في المدخل، عرّف المحاضر “فنّ الاستشراف” أو علم “دراسة المستقبل” باعتباره ذلك التخصّص العابر للتخصّصات بل المتمرّد عليها والذي يركّز على دراسة أسباب التغيّرات الحاصلة في الحاضر والجامعة لتشكّل أوضاع المستقبل باستخدام منهجيات وتقنيات التنبّؤ المشروط، مستشهدًا في السّياق بمقولة الفيلسوف الفرنسي لاروشفوكو: “نحن ورثة الموتى، وشركاء الأحياء، والمتنبّئون بالذين سيولدون”. وأفاد نائب مدير مركزالاستشرافالشّامل بأنّ المستقبل مستقبلات: محتمل، ممكن، معقول، ومرغوب، مؤكدًا على ضرورة اتّسامه بسمات: الشّمول والاتّساع والعمق والنّظر البعيد والتّشاركية، والإنسانية، التمرّد على الأفكار المسبقة الإيجابية والسّلبية، النّقد، المخاطرة المحسوبة، الخيال العلمي، الواقعية، الأدوات المنهجية، التّراكمية، الاستباقية، وأخيرا، بناء المشاريع. وأبرز الدكتــور قاسمحجاج أنّ الدّراسات المستقبلية تركّز على رصد الأحداث والإشارات الضّعيفة واستكشاف البازغة وتحديد الاتّجاهات الثّقيلة وتوقّع القطائع الممكنة وطرح الأسئلة المستقبلية الكبرى حول اللّايقينيات. كما نبّه إلى عوامل ثلاثة دافعة لتزايد الطّلب على الاستشراف كمنتج تسييري لكلّ المقرّرين في الشّركات والمنظّمات والدّول والبلديات وغيرها وهي: ظواهر التّسارع والتّعقيد والتعدّدية.
وتوقف المحاضر عند مجموعة من أهداف الجهدالاستشرافي ضمن ورشات متفرّغة أهمّها إعطاء مبرّر وتعبئة للنّاس وإذكاء الدّافعية والأمل في العمل في بيئات متحرّكة ومأزومة وتغذية الإرادة الاستراتيجية وعقلنة التكيّفات مع التغيّرات والتقليل من السّقوط في التّبرير للأخطاء والمراوحة في دوامة اللّايقينيات. وقدّم الدكتــور قاسمحجاج مجموعة من الشّروط العامّة لإنجاز دراسة استشرافية كقواعد البيانات والمعلومات الصّحيحة المحيّنة، التّمويل، تحديد ثوابت النّظام المستشرف في القيم والبنية واستخدم تقنياتالاستشراف المتعدّدة، من بينها مصفوفة التّأثير المتبادل ومصفوفة لعبة الفاعلين والتدرج السببي ودولاب المستقبلات وتحليل المضمون ودلفي والسّيناريوهات وغيرها.
كما توقّف المحاضر عند العوائق التي تقف أمام نمو الأنشطة الاستشرافية في الدّول المتخلّفة في استخدامها وهي سيادة التّفكير الرّغبوي، سطوة التّاريخ، النّظرة القدرية الجبرية والدّهرية وشدّة المركز حول الذّات المجتمعية أو القومية حدّ الفاشية، التوجّه الشّعبوي، غلبة العقل النّقلي على العقل النّقدي.. وغيرها. إلى جانب ذلك، أبرز الأستاذ المحاضر متطلّبات الاستشراف الاستراتيجي للتّنمية المحليّة المستدامة الإحدى عشرة وهي: اتّخاذ القرار السّياسي والإداري أو القيادي الجاد، تحديد الأفق الزّمني للاستشراف، تحديد آجال استلام الدّراسة الاستشرافية مع تحديد المواعيد الدّورية لتحيينها قبل الوصول إلى العام المستشرف بعامين على الأقل، تشكيل فريق الاستشراف (تكوين داخل المؤسّسة المعنية، أو مناولة لدى مركزعلمي بحثي تدريبي متخصّص في تقنياتالاستشراف). إلى جانب إشراك الفاعلين المعنيين بالإقليم أو الشّركة أو المنظّمة أو الدّولة المستشرفة (حوكمة الجهد الاستشرافي)، وضع خطّة مرحلية لعمل الفريق المستشرف، اختيار تحكيمي بين الخبراء المستشرفين لتقنيات الاستشراف مع استخدامها بشكل متعاضد، توفير البيانات والمعلومات الصحيحة والمحيّنة، تخصيص ميزانية مالية معقولة، تحديد فريق لورشات التّخطيط الاستراتيجي لتصميم الخطّة التّنموية للمستقبل المرغوب والخطط البديلة للمستقبلات المحتملة والممكنة السّلبية. وبالنّسبة للبلديات والولايات، فالمطلوب -حسبه- استحضار جميع الأدوات الموجّهة لاستشراف التّنمية الوطنية وهي: الخطّة الحكومية، السّياسات العامّة والمخطّطات القطاعية، المخطّطات الوطنية والجهوية والولائية لتهيئة الإقليم والمخطّطين الولائي والبلدي للتّنمية والمخطّط التّوجيهي للتّعمير والعمران (PDAU) والخطّة أو الخطط الحزبية أو الائتلافات الحزبية للتّنمية الولائية والبلدية. وفي ختام عرضه، أكّد نائب مدير مركز الاستشراف الشّامل، الدكتــور قاسمحجاج على أنّ أهم رأسمال لدى المسيّر والسّياسي معًا هو الزّمن، فهو الذي ينصبّ عليه التّركيز في كسب رهانات أيّ تنمية محليّة أو وطنية أو دولية مستدامة.
وبالمناسبة، أبرز المحاضر الاحتياجات والمستلزمات السّبع لإنجاح المقاربة الاستشرافية للتّنمية الأقاليمية المحليّة المستدامة وهي: الحاجة للدّوافع والرّافعات، الحاجة للحريّة والتحرّر، الحاجة للاستراتيجية، الحاجة إلى المقروئية، الحاجة إلى الاستباق، الحاجة إلى التراتبية، الحاجة إلى الأهميّة والمعنى والجدوى.
وخلص الدكتــور قاسم_حجاج إلى أنّ تنمية الأقاليم والمجتمعات البلدية والولائية (المحلية) يتطلّب تكاملًا بين المقاربة الاستشرافية والمقاربة الاستدامية للتّنمية؛ فالأولى تقوم على المنهجية وأدوات العمل وتقنيات تفكير خاصّة، بينما الثّانية تقوم على فلسفة ورؤية جديدة للعالم، للأشياء، للمجتمع، للاقتصاد، للبيئة، للسّياسة وتحديدًا للهدف وتصوّرًا بديلًا للعالم.